عيد الحب: حكاية ملك بريطانيا الذي تنازل عن العرش من أجل الحب
تمتد الكثبان الرملية من غابة نيوبارا نحو جزيرة لاندوين بمحاذاة ساحل جزيرة أنغليسي، وتطل على خليج كارنارفون ومتنزه سنودونيا الوطني في البر الرئيسي لويلز. وكانت السماء تمطر مطرا خفيفا وأخذت الغيوم الرمادية تغشى الأطلال التي تعود إلى العصور الوسطى لتضفي عليها طابعا أسطوريا.
ولا يزال سكان ويلز يحيون ذكرى القديسة دوينوين، قديسة العشاق بويلز. وعندما ينحسر المدّ، يسير الناس عبر طريق رملي من جزيرة أنغليسي إلى جزيرة لاندوين غير المأهولة حيث نشأت طائفتها الدينية. وقد اعتاد الكهنة الكلتيون أن يقطعوا نفس الطريق عندما استوطنوا جزيرة أنغليسي في الفترة ما بين سنة 100 قبل الميلاد و60 ميلاديا.
لكن هؤلاء المشاة لم يأتوا لاستكشاف الطبيعة والطيور التي تعشش في الجروف الصخرية، بل جاؤوا إلى الجزيرة لهدف آخر.
إذ تجتذب هذه الجزيرة زوارا لا لمناظرها الساحرة فحسب، إنما أيضا بسبب قصة القديسة دوينوين التي لاقت مصيرا بائسا. إذ تقول الإسطورة إن هذه الجزيرة الخالية من الأشجار والتي كانت منسية لآلاف السنين، استقرت فيها الأميرة دوينوين، ابنة أحد الملوك الأيرلنديين في القرن الخامس، وساعدت في لم شمل آلاف العشاق.
ويقصد الآن هذه الجزيرة الآلاف على أمل العثور على شريك الحياة المناسب، ولا سيما في يوم 25 يناير/كانون الثاني الذي اتخذته ويلز عيدا بديلا للحب.
وتعكس جزيرة أنغليسي ثراء ويلز الطبيعي والثقافي. إذ تقع بمحاذاة ساحل ويلز، حيث يلتقي الطرف الشمالي بالبحر الأيرلندي. وتزخر الجزيرة بمظاهر ثقافة ويلز، وتعرف الجزيرة باسم "أم ويلز"، لأنها كانت يوما ما سلة غذاء الشمال، فتلبي احتياجات السكان من المحاصيل الزراعية.
وتضم أنغليسي بعض أروع الشواطئ في أوروبا، وكذلك مسار ساحل ويلز، وهو أول ممشى في العالم يمتد على طول ساحل ويلز بمساحة 1،400 كيلومتر.
ولا شك أن كل تلة من تلال الجزيرة الخضراء وكل جزيرة من جزرها الصخرية وخليج من خلاجانها يحمل بين ثناياه حكايات وأساطير ويلزية تأسر الألباب، تزخر بحكايات التنانين والسحرة وبطولات الملك آرثر الأسطورية والميثولوجيا الكلتية.
لكن إذا قلت لأحد سكان جزيرة أنغليسي أنك جئت لتزور لاندوين، سيدرك على الفور أنك تبحث عن الحب.
كنني لم آت إلى هنا بحثا عن الحب، بل جئت بدافع الفضول. فهذه الجزيرة التي لم يسمع بها إلا
القليلون، تحمل بين طياتها قصة تثير الشجن. وطالما وصف المؤرخون الويلزيون القديسة دوينوين بأنها كانت تقدم خارطة الطريق للحب. واستهوتني فكرة كنيسة دوينوين التي كان يأتى إليها الحجاج في العصور الوسطى من كل حدب وصوب، لأسباب دينية وفلسفية، وأن جيلا جديدا أعاد اكتشاف الجزيرة حرصا على إحياء أسطورة القديسة.
وتقول تشارلوت هوكسويرث، مديرة بمنظمة حفظ الموارد الطبيعية بويلز، بينما كنا نسير على الطريق المؤدي إلى الكنيسة التي يقال إن دوينوين دفنت فيها، إن الزيادة في عدد زوار الجزيرة يدل على أن ثمة قصة أخذت تلقى صدى مجددا. إذ يتداول الناس قصة دوينوين منذ قرون، لكنها ترسخت في وجداننا وأصبحت جزءا من هويتنا.
وتحمل أسطورة دوينوين بعض أوجه الشبه من مسرحية روميو وجولييت، وتقول بعض الروايات إن الأميرة دوينوين تقدم لخطبتها ميلون دافودريل، الذي لم يكن شريك الحياة المناسب لها، ورفضت الأميرة كل محاولاته للاقتراب منها قبل الزواج.
وتقول روايات أخرى إن الأميرة دوينوين حزنت حزنا شديدا بعد أن رفض أبوها ميلون دافودريل الذي كانت تحبه وكان أبوها يرتب لتزويجها بأمير آخر.
لكن جميع الروايات تتفق على أن دوينوين بعد أن خاب أملها وانفطر قلبها حزنا وأسى، جاءها ملاك ليواسيها في أحد أحلامها، ومنحها عدة أمنيات. وتمنت دونوين أن يلبي الله أماني جميع العشاق الحقيقيين في كل مكان وأن تظل عازبة إلى الأبد.
وما لبثت دوينوين أن فرت من مملكة أبيها، بريكينيوغ، إلى لاندوين، حيث كرست حياتها للعبادة وأصبحت راهبة.
ولولا أن القصة غير مكتملة، لكانت دوينوين ودافودريل نالا شهرة أوديسيوس وبينيلوبي أو لانسلوت وغوينفير التي لا تزال تلهب مخيلة كتاب القصص الرومانسية إلى الآن.